فى القصر
فى القصر العينى القديم عنبر 16 ، والمسمى بعنبر الثوار ، أو ( المتظاهرين ربنا ياخدهم ويريحنا منهم ) على حد قول طاقم التمريض الموجودين هناك ، هذا العنبر يحوى إصابات العيون من المتظاهرين وأغلبهم ممن اصيبوا يوم جمعة الغضب ، وحالتين يوم الأربعاء المشئوم ، هناك تجدهم مجتمعين ، يجلسون معا ، وزوارهم معا فى تآلف جميل ، ورضاء يثير العجب فى النفس ، وتحدثت إليهم فوجدت أنهم فرحين بإصابتهم فى سبيل وطنهم ، مستائين من مستوى الخدمات فى المستشفى التى يرجعه البعض إلى نقص الإمكانيات على الرغم من ورود الكثير من التبرعات التى حكى عنها المرضى والأطباء على السواء ، وعلى الرغم من ذلك فأغلبهم يشترى من الخارج ما يطلب منه من أدوية ، وقد حكى لى أحدهم وهو محامى أنها حركة خبيثة من إدارة المستشفى ، فهم يتركون المريض لفترة فإن استطاع توفير الدواء لنفسه كان بها ، وإن لم يبدوا عليه الإستطاعة بدأوا فى توفيرها له ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
أترك هذا الذى يجعل دمى يفور لأحكى عن الأفراد الموجودين هناك ، فقد تحدثت إلى أكثرهم عن مكان إصابتهم وسببها ، ولم ذهب كل منهم إلى تلك المظاهرات من الأساس .
الأول كان محمد وهو الثانى على اليمين حين تدخل العنبر الكبير ، وهو كان يتاجر بالموز على عربه فى بلده شبين الكوم ، وهذه المهنة توارثها عن أبيه ، ومنذ صغره وهو يقف معه بجانب دراسته التى أنهاها بالدبلوم ، وبجانب تعليم والده له الصنعة ومصادر الموز وكيفية بيعه ، فقد علمه أن المخبر حين يأتى فله الحق أن يأخذ ما يشاء ، وإلا كان يومه أسود ، حيث يبدأ البلطجى الذى يجمع الأرضية ( الإتاوة ) فى الإعتداء عليهم وتشريدهم وسرعان ما تتضاعف الأرضية ويتم نقل العربة لبعض الوقت فى مكان بعيد حيث لا ينتبه إليه أحد وبالتالى يقل معدل البيع ، وفى السنوات الأخيرة تزايد الموقف ، وبعد أن كان المخبر أو أمين الشرطة يقاسم البلطجية فى الخفاء أصبحوا يقفون معهم فى السوق ويجمعون النقود علنا أمام الجميع ، وزادت المطالب وقل الرزق وازدادت المعيشة سوءا ، وسمع عن ما يحدث للناس على القنوات وقرر أن يخرج فى جمعة الغضب مع باقى المصريين كى يقول ما بداخله من اختناق بسبب الظلم على مر السنين وبعد كر وفر مع القوات الغاشمة ، فوجىء بالشظايا تشعل عينه اليمنى ويسقط مصابا وبعد علاج هناك ينقل إلى القصر العينى ويكتب فى تقريره جسم غريب بالعين اليسرى تم إخراجها ، والحالة تتحسن ..؟؟
وفى نهاية العنبر إلى اليسار نجد شابا فى السادسة والثلاثين من عمره يدعى طارق ، دخلت عليه وأنا ابتسم مادا يدى بالسلام فلم يرد ، وكانت إحدى عينيه مغطاه ( اليمنى ) بينما الأخرى لا يغطيها شىء وتنظر بعيدا بيما يرتكز بيده اليمنى على المخدة رافعا جنبه ، اعتقدت أنه يفكر فى امر ما ، ولكن الشاب على السرير المجاور له نبهه قائلا أن مد يدك بالسلام فاعتدل ومد يده سريعا وهو يعتذر، وعرفت أنه قد فقد النظر بكلتا عينيه ، وحين سألته عن من أصابه قال : الحرس الجمهورى . فتعجبت ، فقال مفسرا : أنه كان يقود سيارة محافظ بور سعيد ، وحدث شغب تدخل بعض أفراد الحرس الجمهورى لحماية المحافظ وأطلقوا النيران فأصابته شظايا الرصاصات وفقد النظر بكلتا عينيه وما زال أمامه العديد من العمليات كى يعود من الجديد والشفاء بيد الله سبحانه وتعالى ، وتعجبت من لهجته ، فسألته : من أين ؟ قال : سوهاج ، فقلت : أجدع ناس ولكن كيف ؟ فمضى يحكى عن أنه كان يعمل سائقا منذ حداثته ورويدا رويدا يدأ يشق طريقه من أجل الرزق فى أنحاء مصر ، حيث الرزق تكون الحياة ( على حد قوله ) ، ومن هنا لهناك حتى استقر فى هذا العمل ، وبعد إصابته وحيث أنه لا يعرف سوى القيادة مهنة له فمن الحماقة السؤال الذى وجهته له عن ماذا ينوى فى الغد ( وله الحق ) ، فالمستقبل مجهول ، ومن خدم معهم لم يسألوا عنه حتى الآن ، والغد يحمل فى غموضه سواد الليل الذى بلا قمر ولا نجوم !!!!!!
لا أدرى ماذا أقول ولكن الله تعالى أعلم بحالى ، فكلها حكايات مزقت قلبى وأنا أواسيهم بأن بلادهم لن تنساهم ، ولكن السؤال الذى أبقيته فى داخلى ، هل بلادهم ما زالت تتذكرهم حقا ؟
تلك حكايات البعض وما زال فى العنبر حكايات أخرى ما زالت تحتاج الكتابة .
هناك 3 تعليقات:
أحييك على كتاباتك عن هؤلاء الابطال
واستمر فى هذا الطريق لعل كتاباتك تكون سبباً فى لفت الأنظار اليهم والاهتمام بهم اهتمام يليق بالانسان المصرى
صديقي الحبيب
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تلك الحكايات عن الثوار لم تقطع قلوبنا فقط ... فقد قطعت الاحوال قلب مصرمن قبل، فصار كل مصري متقطع القلب .
والحمد لله قطع الله قلوب الفاسدين .
هذه الحكايات يتقطع قلوب المصريين وغير المصريين...
إرسال تعليق