منذ سنوات وأنا أراهن الجميع وعندما وجدت أننى قد كسبت الرهان لم أجد سوى أن أجلس مذهولا او ما هو اكثر ، لا أجد من الكلمات ما أعبر به عن مشاعرى فى تلك اللحظات التى دلفت فيها إلى ميدان التحرير يوم الأربعاء 26 / 1 / 2010 ، قبلها بقليل ولأننى لم أكن أتابع الأخبار لظروف لدى كنت منعزلا تماما ، لم أكن أتخيل أن تصير الأمور إلى تلك الدرجة ، حتى بعد أن خرجت وذهبت إلى الكلية وقضيت الإمتحان ، بل وذهبت إلى منطقة العتبة لشراء بعض الأشياء ، كت أتخيل انها مظاهرات كالتى نراها عادة من الأحزاب أو الإخوان والتى تنتهى عادة بصفقة خفية ويذهب كل إلى منزله ، ولكن يشاء القدر أن أتقابل مع زميل لى عائد من الإمتحان معى وركب المترو ذاهبا إلى هناك ، فيسمع منى ويضحك للغاية ويقول لى : اذهب وسترى أن الأمر مختلف . ولن أنسى جميله على مدى حياتى ، فعندما ذهبت إلى هناك فوجئت بالحشود وبعد أن درت فى الميدان وتحدثت إلى الكثيرين من الشباب سواء من الأحزاب أو الإخوان أو غيرهم ( وهم الأكثر ) ، جلست جانبا وأنا لا أكاد أعى ما يحدث ، إنها مصر ، مصر كلها هنا وقد توحدت على كلمة واحدة وإرادة واحدة ، إنها مصر وقد قامت لتقول كلمتها ، وعندما تتحدث مصر فعلى الكل أن ينصت .
وقتها عرفت اننى عندما راهنت على الشباب المصرى طوال حياتى وأنه على الرغم من عبثه فعندما ينتفض ويقوم من جديد لن يستطيع أحد أن يقهره وقد كان الجميع يسخر منى لذلك ، وأصرخ يائسا : إسألوا التاريخ يجيبكم فهى ليست المرة الأولى ولكننا ننسى ، فتزيد سخريتهم ، اليوم أقف شامخا وتسرى انتفاضة فى أعماقى وأحمد الله تعالى أننى شاهدت العملاق وهو ينهض من سباته من جديد ، أصرخ عاليا مناديا على كل العالم كى يأتى ليقف معى فى تلك اللحظات ، ولكننى أجد العالم كله وقد وقف غير مصدق قدرة الشباب المصرى على الصمود .
وتتوالى الأيام وفى كل لحظة نكسب أرضا جديدة ، وخطواتنا نحو المستقبل تزداد سباتا ، وفى كل معركة نحطم أسوار الخوف ونبيد عمالقة الظلم والإستبداد معلنين عصرا جدا وتشتد الحرب وتحدث مجزرة يوم الجمعة يليها الإنسحاب الخائن لقوات الغدر ، والسماح للبلطجية والسفاحين السجناء وغير السجناب بأن يعيثوا فسادا فى البلاد ، ويكون التحدي الأكبر فالأمر لم يعد على شباب التظاهر فقط بل انتقلت المعركة لتشمل أرض الوطن بأكمله ، وأطير فرحا عندما أجد كل الوطن وقد حمل السلاح ووقف للذود عن كل نفيس وغال ، ولن أنسى يوم السبت وأنا أتحرك فى القاهرة فى عربة أحد الأصدقاء لأملأ عينى بالمشهد التاريخى ، لم أكن أستطيع الجلوس فى الميدان ، أو الثبات فى مكان واحد ، كان المشهد أجل من أن أتركه ولا أملأ به عينى ، رجال الوطن فى الشوارع يحملون كل ما وصلت إيه الأيدى من سلاح وفى لحظات معدودة تخرج خطط لا حصر لها لتأمين كل شبر فى أرض بلادى ، لم ينتظر أحدا كى يرى من الذى بجانبه ، هل هو صغير أم كبير ، صديق أم بينهما شجار ، مسيحى أم مسلم ، الكل يحمى مصر ومصر بداخل الجميع ، ويمر اليوم ويأتى يوم الإثنين لأعود لبلدتى إثر استدعاء عاجل أجلس مع الشباب نتسامر ليلا يحكون لى من التفاصيل ما ذهلت له ، ففى بلدتى وعندما انسحبت الشرطة لم يجد البلطجية وقتا حتى لإشعال النيران ، فحالما بدأوا فى ذك وجدا الآلاف وقد وقفوا لهم وتم إخماد الحريق بالمركز قبل حتى أن يمتد إلى أغلب غرفه وتم إنقاذ السلاح والدفاتر وكل شىء ووضعت فى المسجد الذى خلفه تحت حراسة الناس حتى تم تسليمها للجيش بعد ذلك ، وبينما هم يقومون بذلك توجه البعض إلى بنك مصر والاخرين لبنك التنمية الموجودين عندنا ، والأكثر استغرابا عندما حكوا لى عن فلانا الذى تصدى لفلان البلطجى وأتعجب كيف لذلك الشاب الهادىء البسيط جدا أن يقف لتلك الشراسة بل ويهزمها ، وتم منع العديد من المحاولات فى الأيام التالية لحرق المحكمة ومركز الشرطة ، ويزيد على ذلك انه تم تأمين ( ومنذ اللحظة الأولى ) مناطق المقابر الأثرية والجبانات الموجودة فى القرى وما زالت كذلك حتى لحظة كتابة هذه السطور ، وسرعان ما أدركت الإجابة " إنها مصر " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق