السبت، 12 مايو 2012

مصر الثورة

1- فعل الثورة

الثورة فعل شعوب بلغ بها المدى ، وكان أن ضاعت منها مقاليد الدنيا وانخقض بها المستوى الإجتماعى والثقافى والإقتصادى ، وفار الغضب حتى بلغ مداه ، وهنا يحدث الإنفجار .
ولا يمكن لفصيل أو جزء من شعب ان يدعى أنه قاد الثورة أو أنه فجرها أو كان سببا فيها أوحتى خطط لها ، فالثورة مزيج من كل الأسباب التى يتصورونها ، ولكنها فعل شعب بأكمله ، ولنا فى التاريخ عبرة وعظة .
ولئلا خوض بعيدا ورهق لننظر إلى مصرنا ، ففى 1952 قام الإنقلاب العسكرى فى مصر بقيادة الضباط الأحرار ( أيا كان قائدهم ) وكعادة أى بلد فى حالة سيولة وعدم اتزان تتدخل القوى المعادية بل وأحيانا الصديقة كى تجعل الأمور عند استقرارها فى اتجاه مصالحها حتى لو أدى الأمر لوأد الحركة بأكملها وتنفيذ انقلابات مضادة أو اغتيال الرموز وبالتوازى معها وبفارق أيام قليلة قبلها قام الدكتور مصدق فى إيران بتأميم البترول الفارسى ، ونشطت ضده أيضا قوى الإستعمار لمنعه ، وبعد عامين من تلك الجهود نجد أن الشعب الفارسى ، باع أحلام الدكتور مصدق وأحلامه مقابل الرواتب والغذاء الذى توقف ، وحدث الإنقلاب المضاد وانهارت أحلام فارس من جديد .
أما فى مصر فقد وقف الشعب وتحمل المجهود والعبء كاملا ولم يعرف الكلل وعندما تعرضت الجمهورية لدى إعلانها 1954 لهزة غضب الأمراء والقوى الغربية انتفض ضدهم ووقف مع الإنقلاب فكانت الثورة فى جميع أنحاء مصر وكان رباطه ثمنه فادحا ، وتوالت العقوبات الإقتصادية والحرب النفسية حتى بلغ السيل الزبى حين تم تأميم القناة ، وكانت دراسات القوى الإستعمارية وعلى رأسها بريطانيا تقوا أنه فى حال تعرض مصر لهجوم مباشر ومكثف فإن الشعب سينزل إلى الشوارع  مطالبا بالتضحية بعبد الناصر الذى صور الغزو أنه يستهدفه فقط دون الآخرين ، وأنه سيطالبه بالرحيل فورا مقابل الأمان .
وكان الإختبار الأعظم فى التاريخ الحديث ليس لمصر فقط ولكن لمعنى  إرادة الشعوب فى وجه الإستعمار وكان الشعب المصرى الأيقونة التى نظرت إليها أعين العلم فى تلك اللحظات الحرجة ، واثبت الشعب المصرى أنه قادر حتى فى أكثر حالات  سقوطه أن يقود شعوب العالم الحر الحقيقي وليس المدعى ، وكان أن اعلن التصديق على قرار التأميم بالدم الذى سال أنهارا فى مقاومة الغزاة ولم يتوانى أو يتردد ولو للحظة فى أ يقدم كل ما عنده فى سبيل معركة الصمود لأخيرة فى وجه الإستعماؤ البغيض وأعلن أنه سيد قراره وأنه لن يسكت عن الظلم ويرضى بالإستعمار من جديد ، وجعل قادة المعركة السياسية ينطلقون بروح قوية وثابة نحو المطالبة بكل ما لمصر من حقوقها وأخذها كاملة فى مشهد أذهل وما زال يذهل العالم .
 وقد توالت بعد تلك المعركة معارك تحرير باقى البلاد المحتلة على مستوى العالم أجمع وطالبت الشعوب باستقلالها وصمدت آخذة المثال المصرى نصب عينيها .

يتبع