الندوات
فى حديث إذاعى للأستاذ الكبير / فتحى رضوان ( وهو أول من تولى إنشاء وزارة الثقافة ) ترحم على زمن الندوات والتجمعات الأدبية معتبرا إياها من أقوم مهيئات النهوض الثقافى الحقيقى .
كانت نهاية النصف الأول من القرن الماضى حافلة بهذه المنتديات والتجمعات والتى لم تكن تحتاج إلى غرف مهيئة ومكيفة الهواء أو قاعات فسيحة مليئة بالمقاعد والتحف والطنافس ومحاطة بالميكروفونات والمسجلات ووسائل الإعلام ...وما إلى ذلك .
وإنما كانت كل شروطها هو مجموعة تتفق على اللقاء فى أى مكان ، ولو كان أحد المنازل مثل ندوة العقاد والتى كانت تعقد بمنزله فى مصر الجديدة صباح كل جمعة والتى أوردها العديد من الكتاب كما خلدها الكاتب أنيس منصور فى رائعته ( كانت لنا أيام فى صالون القعاد ) حيث كان يشمل فى مناقشاته كل الأمور التى تهم مصر .
وهناك ندوة أمين للخولى والتى كان يحضرها تلاميذه ومريديه ولا يشترط فى الحضور سوى أن تكون على معرفة ولو بسيطة بأحد الحاضرين وليس أكثر .
أو ربما فى مكان العمل مثل عيادة الدكتور ناجى والتى كانت الندوة تعقد بها مساء يوم الأحد من كل أسبوع .
وربما تنعقد فى إحدى النوادى مثل ندوة الشعر الأسبوعية فى نادى موظفى الحكومة بشارع عماد الدين وكان يقوم فيها العديد من الأدياء وعلى رأسهم شمس الدين .
كمكا كانت تعقد فى دور النشر مثل ندوة الأهرام الليلية والتى كان كان يعقدها أنطون جميل ويكون فيها كامل الشناوى وبعض الشعراء والكتاب . وندوة الرسالة ويحضرها أحمد حسن الزيات وأحمد أمين وزكى نجيب محمود ودرينى خشبة وإبراهيم زكى خورشيد .
ولم تكن تلك الندوات مقصورة على الأدب فقط بل كان منها ما يجمع بين الأدب والسياسة كندوة نشر الثقافة الحديثة ، أو الأدب والأقتصاد والعلوم كندوة دار الأبحاث العلمية .
وكذلك هناك ندوة الشبان المسلمين التى أسسها الدكتور محجوب ثابت ، وندوة الشبان المسيحيين وعلى رأسها سلامة موسى ومنظمها خليل جرجس خليل .
وندوة نادى الممثلين التى تجمع بين أحمد علام وحامد مرسى وحسن البارودى وكثيرين غيرهم .
وهناك ندوات المقاهى مثل ندوة باب الخلق فى كازينو كان يتوسط الميدان هناك ، كما لا ننسى قهوة عبد الله ( وسيكون لها حديث مفصل بعض الشىء) .
بل ووصلت الندوات أنها كانت تعقد على قارعة الطريق مثل ندوة زكى مبارك على الرصيف فى ميدان توفيق ، وندوة الفيشاوى فى رحاب الحرم الحسينى وكان هناك إقبال كبير عليهما .
وتدريجيا اختفت تلك الظاهرة الصحية حتى اتها صارت مجرد لقاءات فردية مثل نادي القصة ورابطة الادب الحديثة وندوة الحكيم الشتوية بالاهرام وندوته الصيفيه فى قهوة قهوة بترو بالأسكندرية والجلسات المتناثرة للأدباء الجدد على مقاعد مقهى ريش وسوق الحميدية وقهوة أسترا ثم سهرة الكاتب الكبير/ نجيب محفوظ والحرافيش
ولكنها كانت فى الغالب مجرد لقاءات فردية بين الأصدقاء أكثر منها ندوات منتظمة .
ومضى الوقت وأضمحلت أكثر ، ومع الإنهيار الثقافى العام فى المجتمع كان التغيير واضحا فى تبدل نشاط الندوات من إرتفاع بالمستوى العام إلى مجرد نشاط روتينى غالبا ما يحضره من لا يهتم ، كما يتم تقديم من لا دراية له بإدارتها أو التناقش فيها ، فما الذى ينقصنا كى نعيد كل مظاهر النهضة تلك من جديد ؟
لقد أخرجت لنا الندوات العديد من المفكرين فى المجالات المختلفة وعلى أكتافها قامت نهضتنا الثقافية بإعتراف كبار الكتاب ، فهل من العسير أن نعيدها ثانية ؟